وهكذا وبهذه القوميات النتنة تفتت وحدة المسلمين وعادت الأمة الواحدة أمما شتى لا تربطها بأخواتها رابطة سوى الانتماء الاسمي إلى الإسلام، وفَقَدَ المسلمون بذلك أعظم سلاح في أيديهم بعد إيمانهم بالله، وهان على عدوِّهم بعد ذلك أن يفترس كل جماعة على حدة دون أن تنتصر لها الجماعة الأخرى.
فكرة الوطنية:
لا شك أن وحدة الوطن من عوامل وحدة الأمة وتماسكها ومن عناصر قوتها لذلك خطط الأعداء لتجزئة الوطن الإسلامي الواحد ولجعله أوطانا تفصل بينها الحدود والسدود المنيعة التي تحول دون التقاء الإخوة على غاية واحدة وتحت لواء واحد. وكان لهم ذلك، ووجدت دويلات وممالك وإمارات زائفة أراد لها الأعداء أن تكون فكانت. ولكن الأمر لم ينته عند التجزئة بل لا بد من التبرير والإبقاء على هذه التجزئة وذلك بربط الناس وشدهم إلى الأرض بعد أن قطعوا صلتهم بالسماء فكان لذلك هذا التغني بالأوطان وكان هذا التمجيد للأوطان وكان هذا التفاني في سبيل الأوطان، وغدا حب الوطن وسيلة لمرضاة الشيطان فالمسلم يحب وطنه ولا شك ويعتبر الدفاع عنه جزء من الدفاع عن دينه وكيانه وسيادته على أساس أن الوطن هو الأرض التي تقام عليها شعائر دينه ولا بد للدين من أرض ليستقر عليها وتطبق أحكامه ومبادئه فيها لهذا المعنى كان المسلم الذي يموت دون أرضه شهيدا وكان الدفاع عن الوطن حتما لازما. فالوطن لا يحب لذاته وإنما لأنه قد يكون وسيلة لمرضاة الله وذلك بإقامة الدين فوق أرضه، وأما إذا كان الدين غريبا في الوطن ما فالتعلق بذلك الوطن لمجرد كونه وطنا مظهر من مظاهر الوثنية والعصبية فالوطن بغير دين وثن. ولا يفهم من هذا بأن المسلم يتنازل عن وطنه بيسر وسهولة، بل يفهم منه أن المسلم لا يتمسك بوطنه إلا ليعبد الله على أرضه، وأنه يجاهد ليكون الدين كله لله في كل أرض الله في وطنه وغير وطنه.