جاء الغزاة إلى الشرق المسلم ولما ينفضوا أيديهم بعد من ركام الكنيسة التي دمروها في أوروبا لتوهم وتحرروا بذلك من سلطان رجال الدين وأباطيلهم وأضاليلهم وخرافاتهم التي كانت تفرض عليهم باسم الدين والدين منها بريء فلما أثبتت التجارب والتقدم الفكري الهائل مناقضة آراء الكنيسة وأهوائها لحقائق العلم، وانجلى ذلك الصراع المرير بين الدين والعلم بهزيمة مروعة لدين الكنيسة صنف رواد النهضة العلمية أن الكنيسة في عداد الخرافات والخزعبلات والأوهام والأساطير التي لا تمت إلا الحقائق العلمية بصلة أخرجوها بذلك من مجال اليقينيات إلى مجال الشك والظنيات والتخيلات, وأفقدوها بذلك قداستها وجدارتها ومكانتها وهذا كله حق لا ريب فيه بالنسبة لجل آراء الكنيسة وأهواء رجالها، ولكنه بالنسبة للإسلام وهو وحده الدين الحق المحفوظ بحفظ الله باطل كله. وهذه مبادئ الإسلام جملة تثبت أمام التحدي العلمي الهائل مدى أربعة عشر قرنا ثبوتا رائعا مذهلا، بل لا يزيد التحدي والتقدم العلميان إلا رسوخا في قلوب المؤمنين به ولا تكون الكشوف العلمية إلا من جملة البراهين على عظمة هذا الدين. ولكن الغزاة وهم في غمرة انتصارهم على دين الكنيسة لم يكن لديهم استعداد للتمييز بين دين ودين, بل التهموا جملة الأديان وحاربوها جميعا، وكان على الإسلام الذي بارك العلم وأكبر العلماء وتعهد أكبر حركة علمية في التاريخ القديم ووضع أسس الحركة العلمية الحديثة, كان على الإسلام هذا أن يتحمل خرق رجال الدين لا من أبنائه أو في بلاده بل في أوروبا. ويتهم بما اتهمت به الكنيسة من محاربة العلم ومصادمة العقل. وكما أن النهضة العلمية والفكرية نشأت في أوروبا في ظلال الإلحاد فكذلك امتدت جذورها وفروعها إلى سائر البلاد وهي تحمل سمة الإلحاد والتنكر القاطع لكل ما لا يقع تحت التجربة ويخضع للحواس، ولا مجال هنا لمناقشة الملاحدة في تنكرهم لحقائق الدين الكبرى، ولكنها الإشارة إلى أن