للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والهجرة إلى الشيء: الانتقال إليه من غيره، وقد وقعت في الإسلام على وجهين الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما حدث ذلك في الهجرة إلى الحبشة وابتداء الهجرة إلى المدينة، الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهاجر إليها من استطاع من المسلمين بعد ذلك، إلى أن أتم الله نعمته بفتح مكة المكرمة، فلم تعد الهجرة مختصة بالمدينة، ولكن بقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.

وقوله "إلى دنيا يصيبها" عام في كل أمر من أمور الدنيا ثم جاء قوله: "أو امرأة ينكحها" زيادة في التحذير، لأن الافتتان بالنساء أشد، كما أن سبب الحديث هو قصة مهاجر أم قيس.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: "فهجرته إلى ما هاجر إليه" فالمعنى أنه ليس له ثواب الهجرة إلى الله ورسوله، وإنما له ما أراد من الحصول على ما أحب من منفعة أو الابتعاد عما خاف من ضرر.

واختار الإمام الغزالي أنه إذا كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، أو الديني أجِرَ بقدره، وإن تساويا - أي تردد القصد بين الأمرين - فلا أجر له.

ويرى بعض السلف - كما نقل الإمام الطبري -: أن الاعتبار بالابتداء، فإن كان ابتداؤه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره.

ويقول صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" [٥] .

يقول العلامة ابن حجر في التعبير باللسان دون القول ما يدخل في ذلك الاستهزاء بإخراج اللسان، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح ما يدخل في ذلك الاستيلاء على حق الغير بأي وسيلة أخرى.