والهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة؛ فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء، وما يوسوس به الشيطان أويزينه للإنسان من معصية وفسوق، والهجرة الظاهرة: الفرار بالدين من الفتن. وكأن المخاطبين بذلك نبهوا إلى أن لا يتكلوا على مجرد الهجرة من ديارهم، حتى يمتثلوا أوامر الشرع فيهجروا ما حرم الله وما حرم رسوله.
ولعل في الحديث تطييبا لقلوب من لم يستطع الهجرة إلى المدينة، بأن حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه.
وقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله يقول: "المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده".
ونعود إلى تأكيد أثر النية وأهميتها حيث نجد أن ابن حجر يقول ما خلاصته تعليقا على قول الله عز وجل:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أن الإيمان بالقول وحده لا يتم إلا بانضمام الاعتقاد إليه، والاعتقاد فعل القلب، فقوله:{بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أي بما استقر فيها، والآية وإن وردت في الأيمان، فالاستدلال بها في الإيمان واضح للاشتراك في المعنى إذ مدار الحقيقة فيهما على القلب.
ثم يضيف: أن فيه دليلا على بطلان قول الكرامية: إن الإيمان قول فقط، ودليلا على أن الإيمان ينقص ويزيد.
ويرى النووي: أن في الآية دليلا على المذهب الصحيح، وهو أن أفعال القلوب يؤاخذ بها إن استقرت وأما قوله عليه الصلاة والسلام:"إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" فمحمول على إذا لم تستقر [٦] .