للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحجة القرآن على العرب الفصحاء كحجته على غير العرب من الأعاجم، كما أن حجة موسى عليه السلام في قلب العصا حيّة كانت حجة لأمهر السحرة، وحجة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى لم تكن لأعظم الأطباء وحدهم، وإنما كانت للطبيب الماهر والخامل، وغير الطبيب على السواء.. وإذا عجز أمهر السحرة وأعظم الأطباء عن الإتيان بمثل ما أتى به موسى وعيسى عليهما السلام كان ذلك أدعى إلى عجز غيرهم...كذلك الشأن في معجزة القرآن، أتى به محمد صلى الله عليه وسلم لأفصح الناس وأقدرهم على نظم الكلام العربي، ورغم حرصهم على تكذيب الرسول، وإفساد دعوته، لم يفلحوا في مجاراته، ولم يستطيعوا تكذيبه.

وإذا كان العرب الفصحاء عاجزين عن مجاراة أسلوب القرآن في فصاحته وبلاغته، فغيرهم من الأعاجم أعجز.

وقد يقول قائل: إن الأعجمي الذي لا يفهم العربية لا يدرك ما في أسلوب القرآن من نظم معجز، وبلاغة عجيبة، ولا يدري من أين يكون إعجازه، وكيف تكون بلاغته، وعندئذ تسقط الحجة في الإعجاز.

والإجابة على هذا التساؤل سهلة ميسورة، فإن الإعجاز لغير العربي قد بدا واضحا في أشياء أخرى، وجوانب مثيرة متعددة غير البلاغة والفصاحة التي لا يدرك مراميها... فكل يوم تطلع فيه علينا أشياء جديدة، ومكتشفات حديثة، وتبرز إلى الوجود قضايا تحدث عنها القرآن قديما ولم تبد سافرة إلا الآن.

ومع ذلك كله لا نلقى أي تناقض أو تصادم بين هذه الجوانب وتلك النواحي وما في القرآن من نهج اتبعه في التعبير عنها تناسق تام لا نفرة فيه، بحيث يدرك الأعجمي من هذا التناسق في التعبير، والدقة في الأداء القرآني الذي يتفق وما يكتشفه العلم حديثا، سرا من أسرار الإعجاز في الأسلوب البياني للقرآن المجيد.

ترى مثلا القرآن في تعبيره يسلك هذا المسلك ويلتزم بهذا الترتيب البديع حين يقول:

{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [٢٢] .