فيقدم السمع أولا، ويثني بالأبصار، وينتهي بالفؤاد، والحقائق العلمية تثبت أن حاسة السمع تؤدي مهمتها أولا منذ اللحظة الأولى من ولادة الإنسان.
وحاسة الإبصار تؤدي وظيفتها خلال عشرة أيام، فالبصر يؤدي مهمته ثانيا، ثم يأتي بعد ذلك ما يتعلق بالفؤاد من المعلومات العقلية والقلبية [٢٣] .
فالترتيب الذي ورد في الآية القرآنية تلمح من خلاله أن اللفظ المقدم أهم من الألفاظ التي ترد بعد ذلك، وهذا هو التعبير القرآني الدقيق، فإذا جاء هذا التعبير على وفق ما قرره العلم، كان التزاوج بين أسلوب القرآن في بلاغته وفصاحته، وأسلوب العلم في اكتشافه وتقريره... فالأعجمي حين يرى هذا التماثل والانسجام بين التعبير القرآني والاكتشاف العلمي، يتحقق من إعجاز القرآن في بلاغته.
على أن علماء النحو قد يكون لهم توجيه خاص في نظم الآية وأمثالها، فيقولون مثلا: إن واو العطف تأتي لمطلق الجمع، بمعنى أنه يجوز في الآية أن تقدم السمع على البصر وتؤخره دون أن يختل المعنى... غير أنه أصبح من الواضح هنا أن الترتيب فيه نوع من الالتزام، نظرا لأهمية المتقدم عما جاء بعده... ونلمح مثل هذا التوافق العجيب بين التعبير القرآني والتقرير العلمي حين يذكر القرآن السمع مفردا، والبصر جمعا في آياته مثل قوله تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ}[٢٤] ، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ}[٢٥] .