للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن الصوت لا مفر لك من سماعه ما دمت لا تسعين بشيء خارجي يمنعك من السماع كوضع شيء في الأذن، بخلاف الصورة فيمكنك أن تراها فتدع عينك مفتوحة، ويمكنك ألا تراها فتغلق عينيك دون أن تستعين على عدم الرؤية بشيء من الخارج كما في حالة الامتناع عن السمع، فالإبصار متعدد حيث يراه بعض الناس، ويغمض الآخرون عيونهم عنه فلا يرونه، وحيث إنك ترى حين تريد، أو حين لا تريد، أما السمع فواحد لا يمكنك إلا أن تسمع أنت ويسمع الآخرون جميعا إذا انفجر صوت، فالسمع واحد والأبصار متعددة [٢٦] .

وإذا كان هذا هو الشيء المسلم به والمقبول...كان تعبير القرآن بالإفراد عن السمع، وبالجمع عن البصر موافقا لما نعرفه ونسلم به... وبهذا يتحقق الإعجاز القرآني للعربي وغير العربي على السواء.

ولكن المفسرين لا يرون في مجيء السمع مفردا والأبصار جمعا إعجازا علميا، ولكن يجيء لأسباب لغوية ترتبط بقواعد اللغة، ففي قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [٢٧] .

جاء السمع مفردا بين القلوب والأبصار وكلاهما جمع، والزمخشري يعلل هذه الظاهرة الأسلوبية فيقول: "ووحد السمع كما وحد البطن في قوله: كلوا في بعض بطونكم تعفوا، يفعلون ذلك إذا أمن اللبس... فإذا لم يؤمن كقولك: فرسهم وثوبهم رفضوه، إذا أردت الجمع؛ ولك أن تقول: السمع في أصله مصدر، والمصادر لا تجمع فتقدر محذوفا، أي وعلى حواس أسماعهم... وقرأ ابن عبله: {وعلى أسماعهم} [٢٨] ...فذكر الزمخشري لمجيء السمع مفردا عللا ثلاثا: أمن اللبس حيث لا نرتاب في أن المقصود بالسمع هنا الجمع وليس المفرد، ثانيا: أن السمع مصدر والمصادر لا تجمع، ثالثا: ورد في إحدى القراءات {وعلى أسماعهم} بالجمع...