"وليس ذلك -أي الإعجاز- في الحرف والحرفين، والكلمة والكلمتين، ألا ترى أن الناس قد يتهيأ في طباعهم، ويجري على ألسنتهم أن يقول رجل منهم: "الحمد لله "و"على الله توكلنا"... وهذا كله في القرآن، غير أنه متفرق غير مجتمع".
"ولو أراد أَنطَقُ الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة طويلة أو قصيرة على نظم القرآن وطبعه، وتأليفه، ومخرجه لما قدر عليه، ولو استعان بجميع "قحطان"و "معد بن عدنان" [٤١] .
فالنظم على صورة مخصوصة، وفي امتداد رحب هو المعرض الذي تتجلى فيه روعة القرآن وتخايل ملامح إعجازه.
وعلى هذا فالجاحظ هو إمام هذا المذهب في إعجاز القرآن، وعمدة الرأي فيه... ما أن كشف عنه في حديثه عن الأدب، وبيان معادنه حتى كان مذهبا غالبا من مذاهب الرأي في الإعجاز، وحتى دفع إليه العلماء دفعا، إذ جعلوا قوله هذا في الفصاحة والبيان، هو مجال النظر في الإعجاز، لا يكادون يتجاوزونه، ولا ينظرون إلى شيء وراءه.
الجاحظ...والقول بالصرفة:
لاتعجب إذا رأيت الجاحظ يقول بالصرفة في وجه الإعجاز في القرآن.. فالجاحظ كما نعلم "معتزلي"... وجه من وجوه المعتزلة ورأس من رءوسهم، والنظام وهو من شيوخ المعتزلة كان أول من جاهر بهذا الرأي وفتح للناس باب الكلام فيه.
ولا يذهبن بك الرأي إلى أن تحسب الجاحظ متابعا أو مقلدا لإمام مذهبه "النظام"في هذا الرأي... فالجاحظ وإن أخذ بقول "النظام" ... فليس ذلك عن تقليد ومتابعة، وإنما عن نظر وموازنة ومراجعة ... ثم اقتناع.