ومن ثم كان رأي الجاحظ في القول بالصرفة هو الذي جعل لرأي "النظام"بعد هذا مكانا بين الآراء التي دارت حول إعجاز القرآن، ولولا هذا لما التفت الناس إلى رأي النظام هذا الالتفات، ولما عاش هذا الرأي في الناس، ينقضونه حينا، ويقبلونه أحيانا... وأمر آخر، وهو أن الجاحظ إنما قال بالصرفة بعد أن أعياه الوقوع على الضوابط الدقيقة التي يضبط بها وجه الإعجاز في القرآن، ويكشف عن أسرار هذا الإعجاز ... فذلك أمر إن أعجز الجاحظ فقد أعجز الإنس والجن جميعا! فلو أن الإعجاز قد انكشف –وهيهات- لعرفه الناس، ومن ثم لم يعد بعيدا عن متناول أيديهم... وكان في مستطاعهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن... والله سبحانه يقول:
لعل في هذا ما يعين على الفهم الذي فهمناه من أن القرآن "روح"من روح الحق جل وعلا ... ونقول: لا تعجب إذا عجز الجاحظ عن الكشف عن هذا السر المضمر، أو هذا الروح الساري في القرآن فلم يعرف وجه الإعجاز فألجأه هذا العجز إلى القول بالصرفة ... فالجاحظ أستاذ في نقد الكلام، فلا عجب أن عرف قدر القرآن، ولزم حده معه.