وهكذا كل الأعمال تستطيع أن تحولها إلى أعمال دينية مهما كانت درجتها الدنيوية، ويكون لك عليها من الأجر والثواب مثل بقية الأعمال العبادية أو الدينية الصرفة.
وبذلك تكون مدرسة الدعوة الإسلامية قد مزجت مزجا تاما بين أعمال الدنيا والدين، ونهجت في سبيل توحيد الأعمال نهجا قويما عبر عنه القرآن فقال:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[١] .
ألم تر أن الآية الكريمة جمعت بين ابتغاء الآخرة، وتذكير الإنسان بنصيبه من الدنيا حتى لا يكون في شغله بطلب الآخرة ما ينسيه نصيبه من الدنيا؟
ونحن نلاحظ في الآية أيضا أنها أمرت بالإحسان، وهو من أعمال الآخرة، وحذرت من الفساد في الأرض وهو من أعمال الدنيا.
إن الآية الكريمة قد مزجت بين العمل الدائب للآخرة بكل أنواعه، وبين العمل الدنيوي الذي يعود على الناس بالنفع والخير، وإنك مهما حاولت التأمل في الآية لن تشعر بفاصل بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، ومهما أرهفت حسك الأدبي فلن تدرك - مهما بالغت - ثقلا أو صعوبة في الانتقال من أعمال الآخرة إلى أعمال الدنيا، لأن الآية الكريمة قد ساقتهما في نسق واحد، وتأليف فريد.