ومع أن الدعوة لا تستغني مطلقا عن السيف والمدفع - إذ هما الوسيلة الفعالة لإقناع المعاندين والجاحدين، وإخضاع الطغاة والمتجبرين - إلا أن الفقه والإقناع نتائجهما أعظم وفوائدهما أكثر.
ولكي ندرك تلك الحقيقة سنسوق هنا نماذج من حياة الدعاة في العصور المختلفة؛ لنرى كيف كانت الحجة والبرهان والفقه والإقناع هي الوسائل التي كان يستعملها الدعاة، حتى إذا ما استعصى الأمر ونفد الصبر لم يكن بعد ذلك إلا السيف
والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا
فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
١- في عصر موسى: أرسل الله - عز وجل - موسى إلى فرعون، وأمره أن يطلب من فرعون أن يترك بني إسرائيل ليذهبوا معه، ويحررهم من عبوديتهم له، ولكن فرعون لج في العناد، وهدد موسى بالسجن والعقاب {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[١٩] .
وإن المتدبر لتلك الآية الكريمة ليلمح فيها تهديدا رهيبا، كما يلمس من التعبير {لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} أن سجون فرعون كانت مملوءة بالمظلومين من أمثال موسى - عليه السلام - حيث يفيد التعبير أن موسى سيكون واحدا من المسجونين الكثيرين، ولن يضير فرعون أن يضاف سجين جديد إلى الأعداد الهائلة التي تغص بها سجونه.