للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويخلف موسى رجلا من آل فرعون، يقوم فيهم داعيا إلى الله حين همّ فرعون أو هدد بقتل موسى، ونرى في دعوته حججا عقلية يذعن لها العقلاء، ويستجيب لها أولو الأبصار، والقرآن الكريم يحكي لنا ما حاج به قومه، فلا نرى في تهديدا بالقوة، أو إرهابا بالسلاح قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ، يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [٢٣] .

لقد كانت تلك الحجج كافية لإقناع فرعون، وإظهار الحق له بعد أن تجاهله، ولكن العناد والجحود حالا بينه وبين الحق، فلج في طغيانه، ولم يستطع أن يرد على الحجة بالحجة، فقال قولة العاجز المفحوم: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [٢٤] .

ويترك الداعية فرعون سادرا مع غيه، لاجا في عناده، ويلتفت إلى قومه مشفقا عليهم، حريصا على هدايتهم، فيذكرهم بما حدث للأمم السالفة، وما ينتظرهم يوم القيامة إذا هم لم يطيعوا رسول الله موسى- عليه السلام -.

لقد تفنن الداعية في عرض حججه؛ فساقها مرة في صورة استفهام، ومرة في صورة الدليل العقلي؛ فأمر موسى لا يخلو من أن يكون صاحبه كاذبا أو صادقا: فإن كان كاذبا فسيعود عليه ضرر كذبه، وإن كان صادقا ينزل بكم بعض ما تهددكم به.

ومرة ثالثة يخوفهم من بأس الله، ومما حل بالأمم قبلهم، ثم يلتفت إلى قومه وكأنه يقول لهم: لا تسمعوا لفرعون فإنما يريد لكم الدمار والهلاك، {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [٢٥] .