للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال ضمام: يا ابن عبد المطلب، إني سائلك ومغلظ لك في المسألة؛ فلا تجدن في نفسك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا أجد في نفسي؛ فسل عما بدا لك". فسأل ضمام الرسول:

هل هو رسول الله حقا؟ وهل الذي أرسله أمره بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا؟ وأخذ يسأله عن فرائض الإسلام كلها، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يجيبه في كل مرة: "اللهم نعم"، فلما فرغ قال ضمام: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه لا أزيد ولا أنقصن ثم انصرف.

فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم: "إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة" [٤١] .

وأتى ضمام بعيره، فأطلق عقاله، وانطلق به حتى دخل على قومه؛ فاجتمعوا عليه ينظرون ما وراءه، وبماذا جاءهم من عند رسول الله.

وكان ضمام كما رأينا رجلا صريحا واضحا لا يعرف اللف، ولا يؤمن بالمناورات، وبالسرعة التي صدق فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمن به، هاجم اللات والعزى، لم يجامل في الله أحدا بعد أن آمن به، ولم يهادن في دينه أحدا ولو كان الإله الذي كان يعبده من قبل، ويخضع له، لقد استبان له الحق، واتضح له الطريق فما له لا يبينه للناس؟ وما له لا يفضح هذا التزييف الخطير في عقيدة قومه، وهو رسولهم الذي ائتمنوه ليوضح لهم ما خفي عنهم.

لقد كان ضمام أمينا على ما ائتمن عليه، ناصحا لقومه بقدر ثقتهم فيه، فلم يرد أن يظل قومه على الشرك لحظة واحدة بعد ما عرف الحق، واتخذه دينا له، لهذا كان أول ما تكلم به ضمام بعد أن اجتمع عليه قومه قوله: بئست اللات والعزى، واندهش القوم لما سمعوا من ضمام، وخافوا عليه أن يصيبه الجنون أو البرص أو الجذام، ولكن ضمام سخر من قولهم، فأجابهم: ويلكم! إنهما ما يضران ولا ينفعان [٤٢] .