للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ فِي قتل الكلاب حتى بلغ العوالي، فجاء عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مَاذَا أُحِلَّ لَنَا يَا رسول الله؟ فنزلت الْآيَةَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ عكرمة، وكذا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّهُ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مُكَلِّبِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْجَوَارِحُ، أَيْ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ فِي حَالِ كَوْنِهِنَّ مُكَلَّبَاتٍ لِلصَّيْدِ، وَذَلِكَ أن تقتنصه بِمَخَالِبِهَا أَوْ أَظْفَارِهَا، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته لا بمخلابه وظفره، أنه لا يحل له، كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ اسْتَرْسَلَ، وَإِذَا أَشْلَاهُ اسْتَشْلَى «٢» ، وَإِذَا أَخَذَ الصَّيْدَ أُمْسَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَجِيءَ إِلَيْهِ، وَلَا يُمْسِكُهُ لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:

فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فمتى كان الجارح مُعَلَّمًا وَأَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ اسم الله عليه وقت إِرْسَالِهِ، حَلَّ الصَّيْدُ وَإِنْ قَتَلَهُ بِالْإِجْمَاعِ.

وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول اللَّهِ، إِنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ! فَقَالَ «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» . قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ «وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ على كلبك ولم تسم على غيره فأصيب» قُلْتُ لَهُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ؟ فَقَالَ: إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضٍ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْهُ» وَفِي لفظ لهما «وإذا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا، فَاذْبَحْهُ وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» «٣» فَهَذَا دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنَ الصَّيْدِ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ، وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا.

ذِكْرُ الْآثَارِ بِذَلِكَ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» : حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب،


(١) المصدر السابق.
(٢) أي إذا استدعاه إليه تداعى.
(٣) صحيح مسلم (صيد حديث ١ و ٥) وصحيح البخاري (ذبائح باب ٢ و ٩٠) .
(٤) تفسير الطبري ٤/ ٤٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>