للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزهري وإبراهيم التيمي نحو ذلك، وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل، كما قاله السلف، ومن هاهنا ذهب من ذهب إلى وجوب الترتيب في الوضوء كما هو مذهب الجمهور خلافا لأبي حنيفة حيث لم يشترط الترتيب، بل لو غسل قدميه، ثم مسح رأسه، وغسل يديه، ثم وجهه، أجزأه ذلك، لأن الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء، والواو لا تدل على الترتيب، وقد سلك الجمهور في الجواب عن هذا البحث طرقا، فمنهم من قال: الآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء عند القيام إلى الصلاة، لأنه مأمور به بفاء التعقيب وهي مقتضية للترتيب، ولم يقل أحد من الناس بوجوب غسل الوجه أولا، ثم لا يجب الترتيب بعده، بل القائل اثنان: أحدهما بوجوب الترتيب كما هو واقع في الآية، والآخر يقول: لا يجب الترتيب مطلقا، والآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء، فوجب الترتيب فيما بعده بالإجماع حيث لا فارق.

ومنهم من قال: لا نسلم أن الواو لا تدل على الترتيب بل هي دالة كما هو مذهب طائفة من النحاة وأهل اللغة وبعض الفقهاء، ثم نقول بتقدير تسليم كونها لا تدل على الترتيب اللغوي هي دالة على الترتيب شرعا فيما من شأنه أن يرتب، والدليل على ذلك أنه لما طاف بالبيت خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ﴾ [البقرة: ١٥٨]، ثم قال «أبدأ بما بدأ الله به» لفظ مسلم، ولفظ النسائي «ابدءوا بما بدأ الله به» وهذا لفظ أمر، وإسناده صحيح، فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله به، وهو معنى كونها تدل على الترتيب شرعا، والله أعلم.

ومنهم من قال لما ذكر الله تعالى هذه الصفة في هذه الآية على هذا الترتيب، فقطع النظير عن النظير، وأدخل الممسوح بين المغسولين، دل ذلك على إرادة الترتيب، ومنهم من قال:

لا شك أنه قد روى أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن رسول الله توضأ مرة مرة، ثم قال «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» قالوا: فلا يخلو إما أن يكون توضأ مرتبا فيجب الترتيب، أو يكون توضأ غير مرتب فيجب عدم الترتيب، ولا قائل به، فوجب ما ذكرناه.

وأما القراءة الأخرى وهي قراءة من قرأ: وأرجلكم بالخفض، فقد احتج بها الشيعة في قولهم بوجوب مسح الرجلين، لأنها عندهم معطوفة على مسح الرأس. وقد روي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح فقال ابن جرير (١): حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، حدثنا حميد قال: قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده: يا أبا حمزة، إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه، فذكر الطهور فقال: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ و ﴿اِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾، وإنه ليس شيء من بني آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما


(١) تفسير الطبري ٤/ ٤٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>