للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام أحمد «١» : حدثنا يزيد، أنبأنا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ «ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» تَفَرَّدَ بِهِ أحمد.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ وَصْفِهِمْ بِمَا وَصَفَهُمْ به أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ أَيْ جَزَاؤُهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشْرُوبَاتِ خالِدِينَ فِيها أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ يمدح تعالى الجنة.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٧ الى ١٤٣]

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣)

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ أُحُدٍ وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ أَيْ قَدْ جَرَى نَحْوَ هَذَا عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا مَنْ قَبْلِكُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ لَهُمْ، وَالدَّائِرَةُ على الكافرين، ولهذا قال تعالى: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ثم قال تعالى: هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ بَيَانٌ الأمور عَلَى جَلِيَّتِهَا وَكَيْفَ كَانَ الْأُمَمُ الْأَقْدَمُونَ مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ خَبَرُ ما قبلكم.

وهُدىً لقلوبكم، وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ زَاجِرٌ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ. ثُمَّ قَالَ تعالى مُسَلِّيًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا تَهِنُوا أَيْ لَا تَضْعُفُوا بِسَبَبِ مَا جَرَى وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَيِ الْعَاقِبَةُ وَالنُّصْرَةُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَصَابَتْكُمْ جِرَاحٌ وَقُتِلَ مِنْكُمْ طَائِفَةٌ، فَقَدْ أَصَابَ أَعْدَاءَكُمْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلٍ وَجِرَاحٍ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ أَيْ نُدِيلُ عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي مِثْلِ هَذَا لِنَرَى مَنْ يَصْبِرُ عَلَى مُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ يَعْنِي يُقْتَلُونَ فِي سَبِيلِهِ وَيَبْذُلُونَ مُهَجَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا

أَيْ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ مِنْ ذنوبهم إن كانت لَهُمْ ذُنُوبٌ. وَإِلَّا رُفِعَ لَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ بِحَسَبِ مَا أُصِيبُوا بِهِ. وَقَوْلُهُ وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ أَيْ فَإِنَّهُمْ إِذَا ظَفَرُوا بَغَوْا وَبَطَرُوا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ دَمَارِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ وَمَحْقِهِمْ وَفَنَائِهِمْ، ثُمَّ قال تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا


(١) مسند أحمد ٢/ ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>