ثم تأويل جميع الصفات الثابتة في كتاب الله تعالى، وفي صحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كصفة الرضى، والرحمة، والغضب، واليدين، والضحك، وغيرها؛ اعتمادا على قول صاحب الجوهرة السابق، وهو تأويل كل نص أوهم تشبيها في عقولهم، ذلك أنهم لم يعرفوا من صفات الخالق جل جلاله، إلا ما شاهدوه في المخلوق الضعيف المسكين الذي كان معدوما ثم وجد؛ فتوهموا أنهم إن أثبتوا صفة لله، والمخلوق يتصف بها فقد شبهوا، فجرهم هذا التنزيه المتوهم إلى التعطيل؛ لأن كل لفظ يأتي وهو مشترك في الاسم لا في الحقيقة، فلابد من تأويله، أي صرف اللفظ عن ظاهره.
وقد أحسن الأستاذ الزنداني في المثل الذي ذكره في محاضرته التي ألقاها في الجامعة الإسلامية، حينما تعرض لهؤلاء المؤولين لصفات الباري عز وجل فقال: إن هؤلاء لم يروا إلا رأس الديك؟
يقول في شرح هذا المثل: يقال إن رجلا أعمى ردّ بصره عليه لحظة فرأى رأس ديك، ثم عاد أعمى كما كان، فكان إذا قيل له: إن فلانا بنى قصرا عظيما، قال: كيف هو من رأس الديك، وإذا قيل له: وصلت اليوم الميناء سفينة ضخمة، قال: كيف هي من رأس الديك، وهكذا كلما ذكر له شيء قال: كيف هو من رأس الديك؛ لأنه لم يشاهد غيره ويريد أن يقيس كل شيء على الذي شاهده.
وهكذا هؤلاء المؤولون لصفات الله تعالى، لم يشاهدوا إلا هذا المخلوق الضعيف الفاني المتصف بهذه الصفات الفانية بفنائه؛ فتوهموا أنهم إن أثبتوا لله هذه الصفات التي ذكرها في كتابه، وهو أعلم بنفسه من خلقه أو أثبتها له رسوله، وهو أعلم الخلق وأتقاهم وأخشاهم لله تعالى، فقد شبهوه بخلقه، والله تعالى أجل وأعظم من كل ما شاهدته الأبصار أو توهّمته العقول؛ {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .