واقرأ قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك، يقول في الفقه الأكبر: وله يد ووجه ونفس، كما ذكر الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف وغضبه ورضاه صفتان من صفاته تعالى بلا كيف [٢١] .
أما الذين ألفوا في الرد على الجهمية فمنهم إمام أهل السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل، وقد ذكر في كتابه (الرد على الزنادقة والجهمية)[٢٢] أن كثيرا من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد [٢٣] بالبصرة تأثروا بمذهب الجهم بن صفوان؛ يقول رحمه الله - بعد أن ذكر مناظرة الجهم للسُّمنية.. -: "ووجد ثلاث آيات من المتشابه، قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى/١١){وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ}(الأنعام /٣){لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}(الأنعام/١٠٣) ، فبنى أصل كلامه على هذه الآيات وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرا، وكان من المشبهة، فأضل بكلامه بشرا كثيرا، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة، ووضع دين الجهمية، فإذا سألهم الناس عن قول الله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يقولون: ليس كمثله شيء من الأشياء وهو تحت الأرضين السبع، كما هو على العرش، ولا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، ولم يتكلم، ولا يتكلم، ولا ينظر إليه أحد في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يوصف، ولا يعرف بصفة، ولا يفعل [٢٤] ..الخ..
قلت: وهذا يوضح لنا أن كثيرا من المتكلمين أخذوا بآراء الجهم بن صفوان؛ فكان هذا الكتاب ردا عليهم جميعا.