أرى - على ضوء التجارب - أنه مهما طال الزمن فإننا لن نستطيع أن نحقق نصرا إلا بإعداد الإنسان الإعداد الصحيح الذي يكون أهلا لنصر الله وتأييده، وهذا يقتضي أن ننظر نظرة شاملة في وسائلنا لإعداد المسلم في جميع الديار الإسلامية حتى لا يقع التباين والتناقض بين المسلمين في وسائلهم وغاياتهم.
وقد أشرت من قبل أن العدو في غارته الأخيرة قد استهدف النفوس قبل الاستيلاء على الأرض، ومهد لذلك بأساليب متعددة وحقق انتصارا رهيبا في هذا الجانب ولم يستطع أن يستولي على شبر أرض من أرض المسلمين قبل الاستيلاء على بعض النفوس وجعلها تؤمن بما تؤمن به وتحقق له أكثر مما يطمع فيه.
ولذا فإن أمر التربية والإعداد هو الأصل في قوتنا ورد الغارة عن أمتنا.
أنا أعرف أن هذا الأمر قد يصعب تقبله على الشباب المسلم الذي يتطلع إلى مجد أمته وعزتها، ويتعجل ذلك ويطلبه بين عشية وضحاها.
وهم معذورون لقوة دوافعهم وشدة عواطفهم ولكن الله لا يعجل بعجلة أحد، إننا نخطئ كثيرا إذا ظننا أننا نستطيع رد الغارة بغير تحقيق الأسباب التي أمر الله بها، ومن أولها إعداد الإنسان الصحيح في فهم دينه وإدراك عصره وإخضاع هواه لمرضاة ربه، الإنسان الذي يحيا بتصور كلي لما يجب أن يكون حتى لا يكون عمله للإسلام فرقة بين المسلمين؛ فيسيء من حيث أراد الإحسان، ولن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وذاك أول أمرنا، وتلك مهمة المبعوث فينا المرسل رحمة للعالمين، بل تلك منة الله على المؤمنين؛ {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .