وإذا ظلت مؤسساتنا العلمية - على شتى صورها في الديار الإسلامية - تتأمل التعليم على أنه شهادات تعطى لإتمام مرحلة معينة؛ فإنها تكون قد أخطأت وبعدت عما يجب أن يكون.
إن إعداد النفوس أمر يتطلب حراسة الإيمان وملاحظة آثاره ونتائجه، ومع ما هو سار في عصرنا من رغبة في الدنيا وتسخير كل شيء لها نرى دراستنا كذلك في كثير من الديار الإسلامية تقف عند الوسائل ولا تصل إلى الغايات، وتنشد بهذه الوسائل دنيا مرغوبة؛ فغدت العلوم سلعا ينتهي عملها عند تحقيق ربح أو طلب جاه، وهبطت بنا ولم تصعد، وهذا مناف لما يجب أن يكون من جعل العلوم كلها ربانية تنشد وجه الله وتبتغي رضاه.
وعند اتجاه العزائم إلى الغاية الصادقة تكون العلوم على شتى صورها - كما كانت - منارات على الطريق، وعامل قوة في بناء الأمة ووحدتها.
وهذا يدعونا - نحن المسلمين - أن نربط جميع معارفنا بالقرآن الكريم، وأن نتوجه بها لخدمة أغراضه وتحقيق هدايته.
ومهما كانت مرارة الواقع فإن الأخذ بالأسباب التي أمر الله بها - طال الزمن أو قصر - هو الطريق الوحيد للوصول إلى الأمل المنشود.
وأول عملنا في هذا السبيل أن نعلن المفاهيم الكلية للإسلام وأن نبينها للناس، وأن يتحرك الدعاة في إخلاص وحكمة وصدق ليعالجوا على بصيرة قضايا أمتهم، وأن يصدعوا بما أمروا به من تبليغ هذه الدعوة كما جاءت من عند الله في كتابه وسنة نبيه؛ لتتسلح الأمة بثقافة القرآن وتقف عند معالم ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال.
إن الإسلام دين شامل يعنى بالشؤون الخاصة كما يعنى بالشؤون العامة، ودعوته دعوة عالمية، ورسوله قد بعث للناس كافة رحمة للعالمين وأمته أمة واحدة، هذه المفاهيم الكلية وغيرها من مقومات الإيمان يجب أن تعلم للخاصة والعامة والكبير والصغير والرجل والمرأة، وأن ينشَّأ عليها الناشئة من أبناء المسلمين.