وعليه فإن البدايات الصحيحة لا تتوفر إلا بصدق الولاء لدين الله؛ تربية النشء عليه وتهيئة الجو الصالح لإعداد النفوس إعدادا يؤهلها لنصر الله.
إن البدايات الصحيحة تستلزم أن يقوم الود والتراحم والتعاطف بين المسلمين، وهذا أيضا لا يحققه إلا تغليب أمر الله على هوى النفوس، فالمسلمون بسمة الإيمان لا بشيء آخر يكونون كالجسد الواحد، يستجيب بعضهم لبعض ويغيث بعضهم بعضا بدواعي الإيمان لا بشيء آخر، "مثل المؤمنين في توادهم ... " فالمثل للمؤمنين فلا ترابط ولا ألفة إلا بصدق الإيمان، ولا تداعى إلا بتماسك الجسد وسريان روح الإسلام فيه.
إن الإمكانات المتاحة للأمة الإسلامية تحقق لها التكامل والاستغناء عن الغير، لكن ما ننشده لا يتحقق إلا بالأصل الثابت من حسن الإيمان بالله وصدق الإخلاص له؛ عندئذ يقوم الأمن وتنبعث الطمأنينة، ويذهب الخوف من جموح الشعارات، ويأمن الإنسان على دمه وعرضه وماله، ويوجد من الإيثار بين الأخ وأخيه ما يجعل الواحد منهم يؤثر حاجة أخيه على حاجة نفسه ويفتديه بما هو من ضرورات حياته.
ورحم الله زمانا رأينا فيه قطرات الماء في إناء؛ تمرّ على الظامئ الشهيد وهو في أمسّ الحاجة إليها فلا يرضاها لنفسه قبل أخيه، ويجود بروحه وهو يؤثر أخاه على نفسه، ويلقى الثلاثة ربهم بأخوة الإيمان التي لا تعرف الأثرة ولا ترى الحياة إلا بنعمة الأخوة {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .