وهؤلاء يمثلون بعض رجال الطبقة الأولى في العلم، ومع ذلك نجد بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعا من التخصص في العلوم؛ فعبد الله بن عمر كان من أوثق رواة الحديث وأكثرهم دقة وتحريا لألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما لم يكن والده - على قرب صلته من الرسول صلى الله عليه وسلم - كذلك؛ إذ كان ثاقب الفكر بعيد النظر في المشكلات الكبيرة، خاصة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام خلافته، أما عبد الله بن عباس فكان رجلا متعدد المعارف واسع الثقافة؛ فهو مفسر ومحدث وعالم بأشعار العرب وأيامها والأنساب والفرائض والمغازي، كما كان مطلعا على التوراة والإنجيل، أما علي بن أبي طالب فقد عرف بالحكم والأشعار والخطب والأدعية ورواية الحديث وحسن القضاء وأسباب النزول.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهمية العلم والتعليم في تغيير سلوك القبائل المعتنقة للإسلام؛ فقد كان يرسل من يعلمهم؛ فقد أرسل إلى اليمن والبحرين ومكة بعد فتحها، والمدينة قبل الهجرة، وتبعه في ذلك خلفاؤه.
وكان لانتشار الصحابة في الأمصار الإسلامية أكبر الأثر في ازدهار الحركة العلمية، وتكوين مدارس بها، وتخريج جماعات نبغت علميا من التابعين، من أمثال سعيد بن المسيب وشريح وعلقمة ومسروق.