للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان التعليم في عهد الخلفاء وقفا على القراء من حملة القرآن؛ لانشغال الصحابة بأمر الدعوة وإرساء قواعد الدولة الجديدة، وفي ذلك يقول ابن خلدون: (ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا، ولا كان الذين يؤخذ عن جميعهم، وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومحكمه وسائر دلالته؛ بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه منهم ومن عليتهم، وكانوا يسمون لذلك القراء، أي الذين يقرؤون الكتاب؛ لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ، وبقي الأمر كذلك صدر الملة، ثم عظمت أمصار الإسلام وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتابة، وتمكن الاستنباط وكمل الفقه، وأصبح صناعة وعلما؛ فبدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء) [٢٢] .

وقول سيدنا عمر السابق يدل على أن التعليم المنظم لم يكن موجودا في صدر الإسلام، وأن الآباء هم الذين كانوا يقومون بواجب التعليم؛ زيادة على ما كان يتعلمه البعض في حلقات المساجد حيث يجلس الأستاذ وحوله الطلاب يتلقون عنه، فقد روي أن عبد الله بن عباس كان يجلس بفناء الكعبة والناس يسألونه عن تفسير القرآن، وكان ربيعة الرأي يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتيه مالك والحسن وأشراف أهل المدينة يحدقون به وحلقته وافرة، وكذلك كان مجلس الحسن البصري في مسجد البصرة، وقد يكون في المسجد الواحد عدة حلقات،.

ولم يكن التعليم وقفا على العلوم الدينية، بل كانوا يعلمون في المساجد الكيمياء والزجر والفأل [٢٣] .

ولا تجد سندا على أن المسلمين قد أنشأوا مدارس خاصة للتعليم إلى العهد الأموي، وإنما اقتصر على المساجد والبيوت، وتذكر الروايات أن تعليم الصبيان في المساجد لم يكن مرغوبا فيه، وربما كانت الكتاتيب قرب المسجد أو ملحقة بها.