ثم كان محور التعليم في هذه المدارس القرآن، ثم الأحاديث والأخبار وبعض الأحكام الفقهية والشعر؛ وكان الاهتمام بالقرآن - كما يقول ابن خلدون -لأنه شعار الدين، وأصبح القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات.
وقد اختلفت طرقهم في تعليم القرآن للولدان، واختلافهم باعتبار ما ينشأ عن ذلك التعليم من الملكات؛ فأما أهل المغرب فيقتصرون على تعليم القرآن فقط لا يخلطون ذلك بالحديث أو الفقه أو الشعر، أما أهل الأندلس فيعلمون القرآن ورواية الشعر وتجويد الخط، وأهل إفريقية فيعلمون القرآن والحديث وقوانين العلوم، وأهل المشرق فيخلطون في التعليم مع العناية بالقرآن وإفراد الخط بمعلميه [٢٤] .
ومما سبق يتضح لنا أن التعليم اقتصر في عهد الخلفاء على تعليم القرآن الكريم، ثم دعت دواعي حفظ اللغة مع انتشار الصحابة ومن دخلوا في الإسلام إلى الاهتمام باللغة ودراستها؛ خوفا من ظهور اللحن في القرآن الكريم؛ فكان اهتمام أبو الأسود الدؤلي بقواعد اللغة أخذا عن سيدنا علي أو بتوجيه منه.
وفي العهد الأموي توسعت الدائرة إلى الاهتمام بالشعر والأدب والتاريخ والقصص؛ فقد روي عن معاوية أنه كان يسهر الليل في سماع أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها.
وكان نتاج هذا الاهتمام بالتاريخ ظهور كتب السير والمغازي من جمع الأحاديث المتعلقة بهما، كما انتشرت القصص التي بدأت في نهاية عهد عمر أو عهد عثمان، وكان القاص يجلس في المسجد فيذكر الله، ثم يسرد قصصا عن الأمم الأخرى تقوم كلها على الترغيب والترهيب.
ثم ظهرت العناية بعلم الحديث في عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز، مما جعل الحديث يحتل مكانة كبيرة في المنهج الدراسي، ولم تكن تلك بداية الاهتمام بعلم الحديث وتدوينه كما يرى البعض، وإنما كانت بداية احتلال الحديث لمكانته في المنهج التربوي الإسلامي؛ فقد بدأت العناية بعلم الحديث منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.