وساعد على ذلك التطور الكبير في ميادين العلوم المختلفة، وانتعاش الحركة العلمية بظهور رجال نبغوا في ميادين المعرفة المختلفة، من أمثال الطبري في التاريخ والتفسير، والجاحظ والمبرد والزجاج في اللغة والأدب، وفي ذلك يقول الكاتب الأمريكي (دريبز) في كتابه (النزاع بين العلم والدين) - نقلا عن (جيبون) -: (كان أمراء المسلمين في الأقاليم ينافسون الملوك ويناظرونهم في رعاية العلم والعلماء، وكان من نتيجة تنشيطهم وتشجيعهم للعلماء أن انتشر الذوق العلمي في المسافة الشاسعة التي بين سمرقند وبخارى إلى فارس وقرطبة، ويروى عن وزير لأحد السلاطين أنه تبرع بمائتي ألف دينار لتأسيس كلية علمية في بغداد، ووقف عليها خمسة عشر ألف دينار سنويا، وكان عدد الطلبة فيها ستة آلاف لا فرق بينهم بين غني وفقير؛ فكان ابن السيد العظيم وابن الصانع الفقير على السواء، وكانوا يكفون التلاميذ الفقراء مئونة دفع أجر التعليم، ويعطون الأساتذة مرتباتهم بكرم وسماحة، وكانت المؤلفات الجديدة الأدبية تنسخ وتجمع؛ سدا لحاجة أهل العلم ورغبة الأغنياء في جمع الكتب)[٣١] .
وقد صحب تطور المفاهيم التربوية ظهور المدارس التربوية، كمدرسة الحديث والفقه وعلم الأصول والكلام والتصوف وغيرها.
وقد تحددت المفاهيم أول الأمر بالالتزام بنصوص الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة.
أما في القرن الرابع الهجري فقد حدث الاختلاف في الرأي بين الفقهاء والمحدثين؛ في حين رأى المحدثون الاكتفاء بالنظر في تراث عصر النبوة والصحابة بينما رأى الفقهاء اعتماد ما تركه الأئمة في مجال الرأي واتباع منهجهم في البحث والدراسة؛ إذ إن المحدثين اعتبروا التمسك بتراث الأئمة تقليدا وتحرجوا من اتباعهم، كما استنكروا ظهور المذاهب واشتغال المؤرخين بالتاريخ دون الحديث.