وعثمان بن عفان ذو النورين، وهو أحد الدعاة الصالحين، كان كريماً سخياً، لم يلمز بشح، ولم يطعن فيه ببخل، فوصله لأرحامه، وصلته لأقاربه مما نقمه عليه كثير، وكان سبب تلك الفتنة التي أودت بحياته رضي الله عنه، وإن طلبنا شاهداً على سخاء عثمان وكرمه فإنا لا نجد خيراً من تجهيزه لجيش العسرة، وتسبيله بئر رومة، فقد أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب: قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضّ على الجيش، فقال عثمان بن عفان يا رسول الله عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضّ على الجيش، فقال عثمان بن عفان يا رسول الله عليّ ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء.
وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول، ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم، مرتين.
وكتجهيزه جيش العسرة حفره بئر رومه، فقد أخرج البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين حوصر أشرف عليهم فقال أنشدكم بالله ولا أنشد إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومه فله الجنة؟ فحفرتها، فصدقوه بما قال.