وهذه الضجة التي افتعلها المشركون لإثارة الريبة في سيرة المقاتلين المسلمين لا مساغ لها فإن الحرمات المقدسة قد انتهكت كلها في محاربة الإسلام واضطهاد أهله فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة، فأصبح انتهاكها معرة وشناعة.
ألم يكن المسلمين مقيمين بالبلد الحرام حين قرر المشركون قتل نبيهم وسلب أموالهم. لكن بعض الناس يرفع القوانين إلى السماء عندما تكون في مصلحته فإذا رأى هذه المصلحة مهددة بما ينتقصها هدم القوانين والدساتير جميعاً.
ولقد زكَّى القرآن عمل عبد الله وصحبه رضي الله عنه فقد نفذوا أوامر الرسول بأمانة وشجاعة، وتوغلوا في أرض العدوِّ مسافاتٍ شاسعة متعرضين للقتل في سيبل الله، متطوعين لذلك من غير إكراه أو حرج فكيف يجزون على هذا بالتقريع والتخويف.
كيف وقد قال الله سبحانه وتعالى فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة آية ٢١٨) .
والمستشرقون الأوربيون ينظرون إلى هذه السرايا كأنها ضرب من قطع الطريق، وهذه النظرية صورة للحقد الذي يعمي عن الحقائق، ويتيح للهوى أن يتكلم، ويحكم كيف شاء، وهذا الاستشراق المغرض يذكرنا بما حدث عند قمع الإنجليز لثورة الأهلين في إفريقيا الوسطى " كينيا " وهم يطلبون الحرية لوطنهم ويحاولون إجلاء الأجانب عنه. إذ قال جندي إنجليزي لآخر -يصف هؤلاء الإفريقيين- إنهم وحوش تصور أن أحدهم عضني وأنا أقتله [٥] .
إن هذه الأضحوكة صورة من تفكير المستشرقين في إنصاف أهل مكة والنَّعي على الإسلام وأهله ...
ولقد حققت هذه السرايا أهدافها ووصلت إلى غرضها -ولم يكن ذلك إلا بقوة الإيمان وثبات العقيدة.
ثانيا: سبب الغزوة، ووصف المعركة، وفضل الله على المسلمين فيها: