ولقد كان بودي أن أسهم في هذه الندوة ببحث ضاف عن الأدب الإسلامي، يستوعب خبراتي الطويلة في خدمة الأدب والفكر الإسلاميين، ويعالج التطورات الطارئة على مسيرة هذا الأدب خلال تاريخه الحافل، وبخاصة في هذه الحقبة التي سجلت فيها هذه التغيرات ذروتها.. ولكن الأعباء الكثيرة، إلى قصر الوقت، حالت دون المراد، وأكرهتني على الاجتزاء بالإشارات العجلى إلى أهم النقاط التي تراودني في هذه المناسبة.
الأدب: قيمته وأثره:
بغض النظر عن كل التعريفات الاتباعية أقدم فكرتي عن الأدب على أنه (الفن المصور للشخصية الإنسانية من خلال الكلمة المؤثرة) ومن هنا كان الأدب بنظري هو ضابط الارتباط بين جوانب الحياة الإنسانية على الاختلاف منطلقاتها وتصوارتها.. وفي ضوء هذا التعريف البرقي تتضح قيمة هذا الفن وآثاره في ميسرة الحضارة البشرية على امتداد وتعدد مذاهبها.
ومع كل ضجيج الذي يحركه ذوو النوايا الطيبة في تنكرهم للكلام، وتحريضهم على الاكتفاء بالعمل، سيظل للكلمة ومفعولها العميق في إثارة العقول والقلوب، ثم التوجيه إلى الأعلى أو الأدنى من مسالك الحياة. وغير خافٍ على أولي العلم أمثله ذلك في رسالات النبيين، اللذين كانت الكلمة المبينة البليغة وسيلتهم الفضلى إلى أعماق الإنسان، وقد تجلى ذلك على أتمه في المعجزة الكبرى التي أنزلها الله على قلب محمد، صلى الله عليه وسلم، قرآناً يهدي للتي هي أقوم، وسنةً تُخرجُ الناسَ من الظلمات إلى النور.
وبهذين الرافدين من أدب السماء بدأ التغيير الأكبر في أدب العرب، شعراً وخطابةً وحكمةً ومثلاً، ثم ترسُّلاً وتصنيفاً وقصةً وملحمةً.. وما إلى ذلك من أساليب وفنون أدت مهمتها في تبليغ الرسالة، وتوسيع المدارك، ونشر الثقافة العليا في كل مجال وصلت إليه الفتوح الإسلامية، أو أظله الفكر الحيّ الجديد.