* وقد انعكست آثار ذلك كله في هذا السيل العارم من نتاج الأقلام، التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وإذا هناك أخيرا مؤتمرات مشبوهة يحمل كل منها لافتة أدبية ذات لون خاص، تحتضن في ظلالها أقزاماً لا يكادون يُرَوْن من ضالتهم، ولكنهم لا يزالون يُنْفخون وتُسَلط عليهم الأضواء الملونة حتى يشكوا أن يحجبوا الرجال ذوي الأصالة في عالم الفكر والأدب والإنتاج الحق.. ولقد اتسع المدى جناياتهم حتى شمل لغة القرآن نفسها، فراحوا ينبزونها بكل نقيصة، فهي في زعم بعضهم فقاعات من التحاسين اللفظية لا محصول لها من الفكر ولا علم، وهي في نظر بعضهم الآخر معرض للجمود الفاضح لا تمد الباحث بأي قدرة على إعطاء مدلول صحيح.. ومن هنا كان أدبها ميتاً أو مختصراً لا يملك قدرة التعبير عن أي جانب من النفس الإنسانية، فضلا عن أن يحاول اللحاق بموكب الآداب العالمية، ... وطبيعي أن غرضهم الأقصى من هذه الحملات إنما هو تشكيك قرائهم في صلاحية العربية للحياة، ومن ثم صرفهم عن الاهتمام بكتابها الأسمى الذي يقول منزله:{مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
* على أن لكل أجل كتابه، ولكل نبأ مستقره، كما قرر الحكيم العليم، وهكذا لم يكن بُد لهذه الغمرة المضلَّلة من حد تصير إليه، ثم ينجلي ما وراءها من المخلفات، كما تنجلي سحابة الدخان المصطنع بعد أن حجبت حقائق الأشياء إلى حين. وكذلك استفرغت هاتيك المزاعم طاقاتها، فهي اليوم تترنح تحت صفعات اليقظة الإسلامية التي لم تنطفئ شعلتها قط، ولم تستسلم لمناورات الباطل، منذ الغارة الأولى التي شنتها الشعوبية القديمة، وحتى آخر السلسلة من هجمات الشعوبية الحديثة على حصون الأدب القرآني في كل مكان أتيح فيه القلم الإسلامي أن يتنفس.