وطبيعي أن لذلك تكاليف تنوء بها كواهل الأفراد من الناشرين، اللذين لا مندوحة لهم عن إقامة أعمالهم على أساس الربح والخسار، ومن هنا كان أثرهم في إشاعة هذا الخير محدوداً في نطاق قدراتهم الشخصية، ويمكن تدارك ذلك عن طريق الاستعانة بإعانات المحسنين من ميسوري المسلمين، الذين لمسنا آثارهم في كل مكان ولله الحمد، وكثير منهم على أتم الاستعداد للإسهام في نشر المؤلفات التي يتقرر نفعها للناس، لو أتيح من يقنعهم بأهمية هذا النوع من الإحسان. وإني لأعرف رجالاً يبذلون الآلاف المؤلفة في بناء المساجد تقرباً إلى الله، ولكنهم لم يقتنعوا بعد بفضلية الإسهام في نشر الثقافة الإسلامية، ولن يترددوا في تقويم نظرتهم إلى هذا الجانب إذا قرؤوا في الموضوع فتوى الثقات من العلماء.
(١٠) إن العناية بنشر العربية على المستوى العالمي واجب يسهم بحمله كل مسلم مستطيع، وهو أكثر توكيداً بالنسبة للعالم الإسلامي، الذي يفتح ذراعيه لاحتضان لغة القرآن بلهفة المحب إلى لقاء حبيبه الأثير، وقد رأينا دول الغرب الصليبي تبذل أكداس الملايين لإشاعة لغاتها في كل مكان، تثبيتاً لمصالحها السياسية والاقتصادية، ومما لا شك فيه أن مصلحة الدول العربية بإذاعة لغة القرآن في الشعوب الإسلامية، غير الناطقة بالعربية، أكثر وأعظم وأعمق، ومن فضل الله أن بعض هذه الحكومات قد تنبهت لهذه القضية الهامة، فهي تبذل الكثير لنصرتها، ولكن الذي نراه أن يرفع اقتراح إلى مجموع الدول العربية وعن طريق جامعتهم بتخصيص نصف بالمئة على الأقل من ميزانية كل منها لتمويل هذا العمل الجليل، بواساطة النادي الذي نرجوا أن ينبثق عن هذه الندوة الموقرة، وفي ذلك خير لا يُقَّدر لأنه سيزيد عرى الأخوة الإسلامية قوة، ويقرب بين الأفكار، ويسهل سبيل التفاهم بين أبناء الإسلام، ويعيد للعربية مكانتها التي سبق أن احتلتها في عالم الإسلام أيام ازدهار الحضارة الإسلامية.