هذا ونود هنا أن نوضح بعض مظاهرها وآثارها في شعره، فمن هذا وصفه لتكشف الأشياء وانجلائها فقد كان معنياً بهذا مثل قوله:
وكَشِفَتْ سجوف الدجى عن مائه ونخيله
إلى أن بدا صحن العراق
حيث سجل فيه حركة تكشف الظلمات والتماعة الماء والنخيل من ورائها ووصفُ التماع الماء من المعاني التي تكررت في شعره كما سيمر بنا.
ومن أمثله انجلاء الأشياء قوله يتحدث عن شبابه الذي ولّى:
ماضي شباب أغذذت في طلبهْ
كيف به والزمان يهرب بِهْ
مسافة النجم دون مقتربهْ
مقترب العهد إن أَرُمْهُ أجدْ
كما أرفضَّ دخان الظرام عن لهبهْ
يَرْفُضُّ عن ساطع المشيب
في القاموس المحيط: ارفضاض الدموع ترششها ومن الشيء تفرقه وذهابه، وقد اختار الشاعر هذا الفعل وكرره ليستعين به على تسجيل حركة تكشف الدخان عن اللهب المتضرم، لقد غدا الشيب لهيباً ظراما وسواد الشباب دخانه المتبدد، وعسى أن نقارن هذا بقول الفرزدق [٩] :
والشيب ينهض في الشباب كأنه ليل يصيح بجانبيه نهار
فنحن -عند الشاعرين- أمام معنى ظلام يقشعه ضياء في حديثهما عن الشيب لكننا نحسُّ في بيت الفرزدق حيوية الحركة والجلبة والصياح، بينما نحس في بيت البحتري حيوية الحركة وخفقة الالتماع من وراء الدخان ومن آثار هذا في مدحه كثرة وصفه للحظات ظهور الممدوح كأنَّه البدر أو الصبح لحظة تجليه من وراء الحب كما ورد هذا في مثل قوله: