تشترك هذه المثل في اشتمال كل منها على تشبيه الممدوح بالبدر منجابة عنه الظلمات وقد سجَّل فيها الشاعر انفعال نفسه بالخفقة التي تكون أول ظهور الشيء وبدوُّه وبخاصة الضوء اللامع ساعة انبثاقه لينبه بهذا على قوة تعلق أنظار الناس بالخليفة أو الممدوح، بحيث لا يكاد يشغل إنسان عن أول لحظة يطل عليهم فيها بوجهه.
وقريب من هذا قوله:
والليل يكشف غيهباً عن غيهب
ورأيت بِشْرك والتنائف دونه
إذ فيه انفعال نفس البحتري بحركة انقشاع الظلام؛ هذا وبشر الممدوح الذي رآه البحتري هنا من وراء التنائف هو الصبح الذي يتجلى له دائما من وراء الحجب والظلمات واستمع إليه يقول:
هو في حلوكته وإن لم ينعب
والليل في لون الغرب كأنه
صبغ الشباب عن القذال الأشيب
والعيس تنصل من دجاه كما انجلى
كالماء يلمع من وراء الطحلب
حتى تجلَّى الصبح في جنابته
فإن فيه انفعال نفسه بحركة تجلي الأشياء البيض المضيئة والتماعها من وراء حجبها تحس هذا في حركة نصول العيس البيض من الدجى وفي انجلاء صبغ الشباب عن بياض المشيب وفي تجلي الصبح في جنبات الليل وأخيراً تحسه في التماعة الماء من وراء الطحلب وهي اللمعة التي تعلق بها البحتري كما ذكرنا قبلاً.
هذا وكأنَّ البحتري هنا ينظر إلى شاعرين الأول ذي الرمة في قوله يصف ورود الحمر الوحشية الماء: