ففي هذين المثالين يقرن بين شيئين يوحيان بالخفقة السريعة، وهما اللحظ والالتهاب.
ومن آثار هذا في معاني مدحه أنك تجده يخلع على الممدوحين بعض صفات نفسه المنفعلة بالخفقات السريعة كقوله:
هديا وإن خمدوا في رأي تلتهب
رآك إن وقفوا في الأمر تسبقهم
كأنه يصف نفسه فهو الذي يكره الخمود ويولع بالالتهاب حتى يكاد يلتهب في الرأي، وكقوله:
يلاحظ أعجاز الأمور تعقبا
فتى لم يضيّع وجه حزم ولم يبت
وكقوله:
تسبقها قبل وقتها عدده
مأخوذة للأمور أهبته
يمدحه هنا بالتيقظ للأمور ومهاجمتها قبل وقتها، وهو هنا كأنَّه يتحدث عن نفسه فهو الذي ينفعل بالأشياء قبل اكتمال ظهورها، كلمعة الماء من وراء الطحلب ولمعة الضياء من وراء الحجب، بل إن نفسه لتنفعل بجذوة الثورة وهي في نفوس أصحابها ويكاد يسمع جلبتها في خفوتها، استمع إليه رحمه الله إذ يقول:
إلى إرمٍ إذ ما نعت وعمادِها
تشوَّف أهل الغرب فارم بعزمة
فلسطون عن عصيانها وعنادها
لتسكن ضوصاء العَريش وتنتهي
ومن جمرة مخبوءة في رمادها
فكم ثَمَّ من إجلابة تحت خفتة
إنه هنا ينبه على الفتنة وهي تزال في نفوس أصحابها، سبحان الله كأنَّ أبا عبادة في بعض كلامه يتكلم على فلسطين اليوم، إن في كلامه حيوية لا يحسنها ذوو الكلام الركيك ممن يزعمون أنفسهم مجددين في الشعر. نعم يا أبا عبادة قل، فلن تسكن ضوضاء العريش ولن تنتهي فلسطين عن عصيانها وعنادها حتى يعود القدس الشريف إلينا وحتى تنتصر الثورة الفلسطية، يا قومنا الفلسطية أفصح من قولك الفلسطنية فلا تتركوا الأفصح إلى غيره نصركم الله نعود هذا الاستطراد إلى وصف أبي عبادة لنورد مثالاً آخر بديع كلامه في هذا المضمار إذ يصف فيه انعكاس المعاني والمحسوسات وذلك حين يقول:
على العرنين والخدِّ الأسيلِ
ووجه رق ماء السجود فيه