للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم استثنى الله تبارك وتعالى ساكني المسجد الحرام، وهو الحرم كله كما قدمنا، فإنه ليس لهم أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج، وذلك لعدم وجدود مشقة تحصل لهم بالإحرام، فإن أحدهم يحرم على منزله يوم التروية ويخرج إلى منىً، بخلاف بعيد الدار فإنه يحرم من المواقيت فيبقى في سفره أياما وليالي محرماً، يعاني من الشعثة والغبرة والتعب؛ فرخص الله تبارك وتعالى في أن يحرم بعمرة، فإذا قضاها تحلل منها، وتمتع بلبس الثياب ومس الطيب ومباشرة النساء إن كانت امرأته معه.

ومقابل هذا التيسير الإلهي وجب عليه هديٌ شكراً لله تعالى على نعمة التيسير ورفع الحرج والمشقة، ولله الحمد والمنّة.

ولما بين تعالى حكم التمتع بالعمرة إلى الحج، أمر بتقواه وهي طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} ، وحذر من معصيته بترك ما أوجب أو بفعل ما حرم، بقوله {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، فإن من كان شديد العقاب ينبغي أن يُتقى فلا يُعصى.

وكان هذا منه سبحانه وتعالى رحمة بعباده ورأفة بهم، حتى لا يتعرضوا لنقمه وأليم عذابه: فله الحمد وله الشكر، لا إله غيره ولا رب سواه. هذا معنى هذه الآية المباركة الكريمة.

نعقب عليه بمسائل مهمة تتعلق بما تضمنته الآية من أحكام التمتع:

الأولى: هذه الآية نص صريح في جواز التمتع بالعمرة إلى الحج وهي عامة في كل حاج يريد أن يتحلل بعمرة انتظاراً للحج، غير أن السنة خصصتها بمن لم يسق الهدي، فإن من ساق معه هدياً من الحل لا يجوز له أن يتحلل من إحرامه حتى يقف بعرفة، ويرمي جمرة العقبة، وينحر هديه أو يذبحه، لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع أن يتحللوا بعد الطواف والسعي إلا من كان معه هدي، فقد أمره بالبقاء على إحرامه، نظراً لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} .