للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية: في الآية دليل قطعي على جواز الإفراد فإن مفهوم قوله تعالى فمن تمتع إلخ أن من لم يتمتع بأن يحج مفرداً فلا هدي عليه. وهذه المسألة أجمع المسلمون عليها أي على جواز الإفراد والتمتع والقران، الصحابة فمن دونهم إلى هذا اليوم. وخالف فيها الروافض والظاهرية، فقالوا بوجوب التمتع، ولازمه أنه لا إفراد وهو خطأ بيّن، وخروج عن إجماع المسلمين وغرهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل إلا من ساق الهدي، وهو أمر أراد به -فداه أبي وأميّ- التوسعة على هذه الأمة، ورفع الحرج عنها، إذ كانوا يرون عدم جواز التمتع بل كانوا يعدونه من أفجر الفجور. حتى قالوا: إذا برأ الدَبَر حلت العمرة لمن اعتمر. مع ما فيه من الحرج، فإن المرء محرم في المدينة المنورة ويقضي عشرة أيام مسافراً أو أكثر وقد ينتظر الحج أياما أخرى فتحصل له المشقة ويتعب من ملازمته الإحرام هذه المدة الطويلة، فرأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فأمرهم بالتحلل تخفيفاً عليهم ورحمة بهم، وبين بهذه مراد الله تعالى وحققه عملياً، وهو قوله {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} الآية. ويؤكد هذا ويقرره فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقريرهم له، إذ حج أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين مفردين بالحج، بل كان عمر ينهى عن العمرة رغبة منه في أن لا يخلو البيت من زائر وطائف، ولذا أجمع الأئمة الأربعة ومعهم السواد الأعظم على جواز أيّ من الأنساك الثلاثة، وهي الإفراد والتمتع والقران. كما أجمعوا على أن من كان يعتمر في غير أشهر الحج ويحج عامه ذاك أن الإفراد أفضل له، كما أن من ساق الهدي معه من الحل أن القران أفضل له، ومن لم يعتمر في غير أشهر الحج. ولا ساق الهدي أجمعوا أن التمتع أفضل له، ذكر هذا وحققه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عن هذا هذه الأمة الإسلامية خير الجزاء أمين.