أما محتوى القصيدة فكان متأثراً إلى حد كبير بالحياة الجديدة في العصر العباسي، وكان متصلاً بالثقافة المنتشرة. وقد لحق موضوعات القصيدة تطور واضح: تطور الغزل وذاغت فيه ضروب من الصراحة المكشوفة، وظهرت في بعضه دعوة إلى التهتك والخلاعة وانتهاز اللذات، ومن جهة أخرى ازداد الاهتمام بموضوع الزهد وشاع في عدد من القصائد والمقطوعات. أما قصيدة المدح " الشعر الرسمي " فكان أقل نصيباً في التطور، لأن الشاعر المداح يحرص على التجديد في مضمون القصيدة دون شكلها غالباً، ويستخدم كل ما ترفده به الثقافة من معان جديدة لإضفائها على ممدوحه، وقد جعل البديعيون -ولا سيما أبو تمام- ألفاظ الثقافة ومعانيها معرضاً للمذهب الجديد.
وبوجه عام لم يكن التغيير في الشعر العباسي كبيراً: لم تتغير موضوعاته بل بقيت كما كانت من قبل: المديح والهجاء والرثاء والوصف والغزل، وقد تجددت هذه الموضوعات دون أن تتغير، ولم يكن تجديدها جوهرياً ولا مضطرداً. كما لم يتغير في شكله، بل بقي يعتمد على وحدة الوزن والقافية، ولم تشع المسمطات والمزدوجات، ولم تلق تشجيع النقاد آنئذ [٧] ..
وفي الأندلس: كان الشعر يحتذي خطرات الشعر في المشرق الإسلامي إلى حد كبير، حتى قال عنه بعض المشرقيين: هذه بضاعتنا ردت إلينا. ولكن القرون الأخيرة من حياة الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس ولا سيما عصر ملوك الطوائف، شهد تطويراً أوسع في لغة القصيدة وفي عدد في أدواتها التصويرية، وشهد انتشار الموشح بأنغامه القوية وألوانه الموسيقية الجديدة، وسواء أكانت ولادة الموشح في الشرق على يد ابن المعتز أم كانت في الأندلس على يد شعراء أندلسيين لم يتأثروا بالمشرقيين في توليده. فإن الواضح تماماً أن الموشح نما وتطور في الأندلس وأنه بخصائصه الفنية ومقوماته الأخرى [٨]-صناعة أندلسية كاملة.