ولا شك أن الموشح هو أوسع تجديد شكلي عرفه الشعر العربي قبل العصر الحديث. وقد تداوله الشعراء في الأندلس وفي عدد من البلاد الإسلامية الأخرى. وعدوه تلويناً في موسيقى الشعر العربي لا يلغي ما قبله بل يرفده بإضافة جديدة -فكتبوا به كما كتبوا بالأوزان الخليلية الأخرى، ولم يجدوا أي تعارض بينهما، وسرعان ما طوعوه لأغراض القصيدة كلها، فكان فيه المديح والوصف والهجاء إضافة إلى موضوعه الأساسي.
وفيما عدا الموشح في الأندلس، والتجديد الذي شهده العصر العباسي لا نجد طائلاً، فقد ضعف الشعر بعد ذلك وأصبح الابتكار فيه ينحدر به درجة بعد أخرى. وشاع التقليد الضعيف، وغدا الشعراء المتأخرون يستهلكون التراث القديم ويحتالون على ألوان البديع ويملؤون بها شعرهم، ولكنها ألوان باهتة ليس لها قدرة كبيرة على التعبير وإبداع الجمال. وأسفّت موضوعات معظم القصائد وأصبحت أقرب إلى العبث واللهو، لذا من العبث أن نبحث عن التجديد والحداثة في تلك الفترة فهو تجديد خير منه العدم [٩] .
الحداثة في النقد القديم:
على الرغم من أن الحداثة في الشعر القديم لم تكن شيئًا كبيراً، فإن صداها كان كبيراً، أثار خصومة واسعة، وأنشأ قضية نقدية شغلت النقاد ردحاً من الزمن وهي قضية "الحداثة والقدم".
وقد ظهرت قضية الحداثة والقدم أو ل مرة عند النقاد اللغويين، وكان هؤلاء النقاد يتصدرون ساحة النقد في القرن الثاني الهجري من خلال عملهم في اللغة، وكانوا يجمعون الشعر القديم ويدونونه ويتخذونه مثالاً للغة الفصية الصحيحة. وقد دفعهم اهتمامهم الشديد به إلى منحه هالة من التعظيم واتخاذه نموذجاً أعلى للشعر.
يروي ابن رشيق أن اللغوي الكبير أبا عمرو بن العلاء كان يقول:" لقد حسن هذا المولد حتى هممت أن آمر صبياننا بروايته، يعني بذلك شعر جرير والفرزدق "[١٠] . ويقول عنه أيضا:" وكان لا يعد الشعر إلا ما كان للمتقدمين "[١١] .