وينقل ابن الأثير عنه هذه الرواية:" قال أبو عمرو بن العلاء عن الأخطل: لو أدرك يوماً واحداً من الجاهلية لما فضلت عليه واحداً "[١٢] .
وتعرض كتب الأدب والنقد حكايات كثيرة عن ابن الأعرابي والأصمعي وغيرهما من أعلام اللغويين آنئذ. تتشابه كلها في إظهار حماستهم للشعر القديم لأنه قديم فحسب، منها أن ابن الأعرابي سمع أرجوزة أبي تمام -وكان معاصراً له- التي مطلعها:
فظن أني جاهل من جهله
وعاذل عذلته في عذله
فاستحسنها وأمر بكتابتها، ولما عرف أنها لأبي تمام قال: خرِّقوه [١٣] .
ومنها أن إسحاق الموصلي أنشد الأصمعي بيتين يقول فيهما:
فيروى الصدى ويشفى الغليل
هل إلى نظرة إليك سبيل
وكثير ممن تحب القليل
إن ما قل منك يكثر عندي
فقال الأصمعي: لمن البيتان؟ قال إسحاق: لبعض الأعراب. فقال الأصمعي: هذا هو والله الديباج الخسرواني. قال إسحاق: فإنهما لليلتهما. فقال الأصمعي: لا جرم، والله إن أثر الصنعة والتكلف باد عليهما [١٤] .
هذه الحكايات -وأمثالها كثيرة في كتب الأدب النقد- تظهر تعصب اللغويين الشديد للقديم.
وقد نلتمس لهؤلاء اللغويين بعض العذر في أنهم ارتبطوا بقواعد التقنين اللغوي، فالشعر القديم مقياس القاعدة اللغوية وحجتها، في حين أن الشعر المعاصر لهم متهم لاحتمال وقوع اللحن فيه. الأمر الذي جعلهم يشكلون تياراً مضاداً للحديث والحداثة، ولكن لا عذر لهم في مخادعة أذواقهم الفنية.