ويبدوا أن هؤلاء المبدعين عكفوا على الشعر القديم فتثقفوا به ثقافة عالية، ثم أضافوا ثقافة عصرهم. واستخدموا كل ذلك في نسج روائعهم الشعرية، فنجحوا في شد الأنظار إليهم وأثاروا ضجة واسعة وكتب عنهم النقاد والمصنفون، فكان هذا سبباً في إشاعة الاهتمام بالشعراء من أبناء العصر نفسه.
وقد بلغ الاهتمام درجة جعلت ابن المعتز يصنف كتاباً عن طبقات الشعراء ويقصره على الشعراء المحدثين أبناء عصره، ويصرح في ثناياه بأن شعر المحدثين أصبح في عصره أكبر مكانة من شعر القدماء، فيقول:
" ولكننا لا نخرج عن شرط الكتاب (الاختصار) لئلا يمله القارئ إذا طال عليه الفن الواحد، وليحفظ هذه النكت والنوادر والملح، وليستريح من أخبار المتقدمين وأشعارهم، فإن هذا شيء قد كثرت رواية الناس له فملوه، وقد قيل: لكل جديد لذة. والذي يستعمل في زماننا إنما هو أشعار المحدثين وأخبارهم. فمن هاهنا أخذنا من كل خبر عينه، ومن كل قلادة حبتها "[١٦] .
وهكذا تكشف عبارة ابن المعتز أن الذوق الأدبي في عصره اتجه إلى شعر " المحدثين " وأنه ملَّ " القديم " لأن العناصر الجديدة في الشعر المحدث أقرب إلى أذواق النقاد والمهتمين بالشعر. ولأن هؤلاء النقاد حكّموا حسهم الجمالي، وأن التجديد الذي جاء به المحدثون استطاع أن يهزهم ويشد أنظارهم.