ولكن بعض الدارسين في عصرنا ينظر إلى هذا النقد نظرة مخالفة ويرى أن بجملته كان يرجح كفة القديم على المحدث، وأن النقاد المنهجيين تحيزوا إلى القديم على الرغم من إعلانهم الصريح عن تساوي القديم والحديث عندهم وعن خضوعهما لمقياس الجودة الفنية وحسب [١٧] . وحجتهم في ذلك أن مقاييس الجودة الفنية التي اتخذوها معياراً للحكم مرتبطة إلى حد كبير بالشعر القديم. وأن شواهدهم على فصاحة اللفظ وروعة التشبيه وحسن الاستعارة ولطف الكناية ... الخ مأخوذة من أبيات متفرقة من الشعر القديم، وأنهم في تحليلهم لنماذج من الشعر المحدث يرتبطون -بشكل ما بنماذج من الشعر القديم ويقيسونها بها ويشبهون جودة هذه بروعة تلك.
وأجدني أميل إلى هذا الرأي. ويشجعني على ذلك موقف معظم النقاد المنهجيين من حركة البديع في الشعر، فقد ترددوا في قبولها، وحاكموها بمقاييس الشعر القديم، وعدوها خروجاً على عمود الشعر [١٨] .
وكذلك الحال في موقف النقاد من محاولات التجديد الشكلية، فقد أهملها معظمهم، وعدها معظمهم محاولات هزيلة تدل على ضعف الشاعرية، وهذه صورة أخرى لارتباط المقاييس الفنية ارتباطاً شديداً بأنظمة الشعر القديم.