هنيئا لك أيها الأخ الكريم ليلك ونهارك! هنيئا لك ليلك الذي تنامه ريان الجفون، مطمئن الأنفاس، مثلوج الفؤاد!
هنيئا لك نهارك الذي تستمتع به رخى البال، هادئ النفس، ساكن البلابل!
أما أنا - واحسرتاه - فلا أعرف الهناءة ليلا أو نهارا.
حيوان البر والبحر يتنازع، ويقضي بعضه على بعض، يدفعه الجوع وحب البقاء، أما أبناء آدم فلا أدري علام يتنازعون، ولم يتدافعون، وفيم يقتل بعضهم بعضا؟!
لقد كنت أدري، ولكني أصبحت لا أدري، لطول ما رأيت، وكثرة ما سمعت، فلكل معتد دعوى، ولكل ظالم نداء، ولكل مغتصب راية، ولكل منتصر حجة وبيان.
سل أيها القمر الساري أشعتك الناعمة اللينة الجميلة التي تغمر بها وجهي، وتطوف بأرجائي، وتقبل وجوه الناس جميعا دون محاباة.
سلها أيها القمر المنير، فقد صحبتني منذ الطفولة، وعرفت كل جيل، وابتسمت لكل قبيل، ورأيت السيوف التي تقطر الدماء، والقنابل التي تطمس المدن، رأت قبور الأحياء للأحياء، وعذاب الظالمين للأبرياء، وكيف تكون المنايا أعذب الأماني.
سلها، هل هناك من حافز غير جموح الغرائز، وحب السلطة، وهل هناك غايات سوى مغانم طمع، ومكاسب جشع، وهل هناك آراء وعقائد غير ترهات وأباطيل، ودعاوى وأضاليل، زينها خيال جامح، وموهها حقد دفين.
والآن دعني أحدثك حديثا آخر لعله يسرك، ويستهويك.
إنني جميلة، جميلة حقا، وعلى قسمات وجهي سحر وفتون، حتى هذا الإنسان الذي أفسد حياته، وأفسد الحياة من حوله، لقد خلقه الله في أحسن تقويم، وأبدع صورة.