يقول ابن الأثير [١] : " لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فياليت أمي لم تلدني وياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا - إلى أن قال - وهذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها وعمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ أن خلق الله تعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا؛ فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وهؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون"إلى آخر ما كتبه رحمه الله بكل حسرة وندامة [٢] .
التتار على أبواب الشام:
ما أن وصلت أنباء التتار بأنهم زاحفون على بلاد الشام وأنهم يريدونها حتى بدا الخوف والذعر في البلاد وبدأ الناس يرحلون من الشام إلى مصر وإلى الحصون المنيعة خارج الشام يحملون أطفالهم ونساءهم ويبيعون أمتعتهم وملابسهم بأرخص الأثمان، وأخذوا يشترون الحمير والبغال لكي يرحلوا عليها حتى وصل قيمة البغل والجمل الواحد ألف درهم وانتشرت الفوضى والاضطرابات فكسرت الدكاكين ونهبت أموال الناس وهرب المساجين من السجون وخرج كبار أعيان البلد ونوابها وبعض من علمائها وأخذ كل ينجو بنفسه وبأهله من هذا البلاء المقبل على الأمة حتى أصبح لا يتكامل الصف الواحد في يوم الجمعة في المسجد الجامع الذي كان يغص بالمصلين، هذه بعض روايات الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية والذي عاصر هذه الحوادث بنفسه وهو عالم الشام وشيخها وتلميذ ابن تيمية.