وقد ناقش الدكتور شوقي ضيف محافظتهم، وحررها من شبهة الجمود والتخلف فقال: ولكنهم ليسوا محافظين بالمعنى السيئ للمحافظة، حيث يكون الشاعر نسخة مكررة لمن سبقه، أو يكون طبق الأصول التي يطلع عليها دون حذف أو تغيير، فتلك مرتبة عقيمة زهد فيها هؤلاء الشعراء وانصرفوا بقدر ما وسعتهم جهودهم، وسعوا لتكوين شخصياتهم الشعرية المستقلة، وفرضوا ثقافتهم وقضايا عصرهم على شعرهم، ولاءموا ملائمة جيدة بين القديم والجديد، بين الأسلوب العربي في جزالته ورصانته وروح العصر، ووجهوا الأذواق الأدبية إلى الوضع الذي يمكن أن نتدرج إليه بعد البارودي [٢] .
لقد كان شوقي وحافظ وصبري.. مجددين، بالمعنى الضيق للتجديد، وذلك في أول عهدهم، وبالتحديد في العقد الأول من القرن العشرين؛ إذ جاءوا بصوت جديد في الشعر العربي موضوعاً وأسلوباً، ولم تكن أصواتهم مجرد أصداء لصوت البارودي، فإن أي قارئ لشعرهم يحس أثر البارودي فيه، ويحس أيضاً أنهم أصوات متميزة تختلف عن البارودي في يسر الأسلوب، وتخلصه من الاستعمالات القاموسية البعيدة عن العصر، وتختلف في الموضوعات الحية التي تتصل بالحياة العامة في عصرهم، وقد كانت لديهم طاقات شعرية ضخمة، تملك ناصية اللغة وخصوبة البيان، وأسرار النغم الموسيقي، وعذوبة الأداء، فترددت أنغامهم في أرجاء الوطن العربي كله.
على أن شوطهم في التجديد كان قصيرا، إذ وقفوا عند الخطوات القليلة التي خطوها بعد البارودي، وأخذ شعرهم يكرر نفسه ولا يأت بجديد إلا في عناوين القصائد بينما الأفكار متقاربة، ولا أكاد أستثني بهذا الحكم أحدا من المحافظين، اللهم إلا نبضات التجديد في مسرحيات شوقي الشعرية، وبعض جوانب الحداثة في شعر مطران. وهذا الأخير يطبّل له بعض الدارسين، ويعده مظهرا للحداثة يهب القرن العشرين، وإمام الحركات المجددة التالية ولا بأس من التريث عنده للتحقق من هذه الدعوى.