وعلى الرغم من أن العقاد لم يمانع في أن يطرق الشاعر موضوعات الحياة اليومية في البيت أو الطريق أو الدكان، فإنه اهتم اهتمام عظيماً بالعالم الداخلي للشاعر، وجعل التعبير الصادق عن هذا العالم الخاص مقياس الجودة المثلى للشعر فقال:((إن المحك الذي لا يخطئ في نقد الشعر هو إرجاعه إلى مصدره، فإن كان لا يرجع إلى مصدر أعمق من الحواس فذلك شعر القشور والطلاء، وإن كنت تلمح وراء الحواس شعورا حيا ووجداناً تعود إليه المحسوسات كما تعود الأغذية إلى الدم ونفحات الزهر إلى عنصر العطر، فذلك شعر الطبع القوي والحقيقة الجوهرية)) .
وقرر المازني أن الشعر مرآة لنفس الشاعر، فيه روحه وإحساسه وخواطره ومظاهر نفسه، سواء أكانت جليلة أم دقيقة، شريفة أم وضيعة.
وذهب عبد الرحمن شكري المذهب نفسه، فجعل الشعر لغة العاطفة ومحركها، وهكذا وجّه الديوانيون الشعر وجهة وجدانية، تهتم بالعاطفة قبل كل شيء وكان توجيههم هذا جديدا على الشعر العربي ونقده.
ثالثاً: تطوير في الشكل:
أ- الدعوة إلى وحدة عضوية للقصيدة، بحيث تصبح- كما يقول العقاد- عملا فنياً تاماً يكمل فيه تصور خاطر أو خواطر متجانسة. بحيث إذا اختلف الوضع أو تخيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها، فالقصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته، ولا يغني عنه غيره في موضعه)) .
غير أن النقاد أخذوا على العقاد أنه لم يجاوز- في دعوته للوحدة العضوية- وحدة الموضوع، وأنه لم يحقق في شعره أكثر من ذلك.