ونلاحظ أن الكلمة جاءت في سياق الكلام، ولم توضع موضع الرَّد، ولا سيقت مساق الحجة على نفي التهمة، وإنما قرنت بالآية ليتنبه لها الفطين، ويدرك- كما أنهم ولا شك أدركوا أنها من أقوى الأدلة، وقد جاءت الكلمة نفسها في آية أخرى:{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} . (الطور- ٢٩)[٢] .
ومثل ذلك يقال في كلمة:((مبين)) التي وردت في آية (الدخان) فهم لا يجهلون أنه مبين بل لا يجهلون أنه من أبين أبينائهم، فلا شك أن الكلمة لفتتهم لفتًا قويًا إلى مدىً ما يرتكسون فيه من باطل حين يتهمون هذا الرسول المبين بما هو أبعد شيء عن الإبانة، ذلك أن من أول، بل من أقوى آلاتها العقل، بل العقل الحصيف الواعي.
وكذلك حجَّهم القرآن بكلمة واحدة في نفى ما بهتوا به الرسول من الجنون: وفي أول الدعوة- أيضا-، فقد جاء في سورة (التكوير) ، وهى خامس سورة نزلت قوله تعالى:{وما صاحبكم بمجنون}(التكوير الآية ٢٢) . والمراد بصاحبهم في الآية رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم-، وقد كرَّر القرآنُ هذا الوصف فجاء في سورة (الأعراف) : {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ}(الأعراف الآية ١٨٤) ، وجاء في سورة (سبأ) : {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}(سبأ الآية ٤٦) .
والذي يَلْفِتْ النظر في هذه الآيات هو تكرار كلمة (صاحب) ، وإضافتها إلى كفار مكة، وربطها بالفِرية العظمى التي افتروها على الرسول، وهى اتهامه بالجنون.
فكيف وهو (صاحبهم) مرة بضمير الغيبة، ومرة بضمير الخطاب، وهو (صاحبكم) أيها المتهمون له بالجنون،؟!!.