للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما قيل إنه كان غلاما روميا يصنع السيوف بمكة، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان ربما مرَّ به فجلس عنده، وسمع منه كلاما، فوجد المشركون في هذا اللقاء بين النبي والرومي متنفّسا لأحقادهم، فادَّعوا أن النبي أخذ القرآن من هذا الرومي، وهم على يقين من أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ، ولا يمكن أن يكون مثل هذا الغلام مصدراً للقرآن الذي أعجز العرب بفصاحته وبلاغته، ولذلك كان الرد عليهم في غاية الوضوح والحسم، وكان مخجلا لمن لا تزال عنده بقية من حياء، ومن اعتصام بالتعقل، والتعالي عن سفاسف الأقوال: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}

هل يحتاج هذا البرهان الحاسم إلى أكثر من التذكير به، بل الإشارة إليه؟ وهل يسع عاقلا أن يقف في وجه هذا البرهان إلا إذا فقد الحياء من الناس، ومن نفسه، أو إلا إذا فقد عقله أو تجاهله؟.

الرجل معروف عندهم، يرتضخ لكنة أعجمية، ولا يكاد يبين عما في نفسه، وهم يفدون عليه يروحون، ولا شك أن كثيرا منه عامله وخاطبه، وأستمع إليه، وعرف مدى علمه بالعربية، ودرجة نطقه السليم بها، والقرآن بين أيديهم، يسمعونه، ويعجبون بفصاحته وبلاغته، فلا حاجة- إذاً- إلى إطالة الحجج، وتنويع البراهين، فمجرد الإشارة- كما قلت- إلى هذا التفاوت العظيم، والبون البعيد بين لغة الرجل ولغة القرآن كافية في إقناع من يريد أن يقتنع، بل أكاد أقول أنها كافية في التوبيخ والتقريع والتجهيل، وبيان مدى مجافاتهم للحق، وتنكرهم للواقع، وتمسكهم بالأوهام والأباطيل.

ولا يخطئ الملاحظ هنا أمرين: