ومن العجب أنه لم يرد هذا الفعل بهذا المعنى المراد في هذه الآية في القرآن الكريم إلا هذه المرة، وقد ورد بمعنى التجني على أسماء الله، وتحريفها عن حقائقها في قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} ، (الأعراف: الآية ١٨٠) ، وبمعنى الميل عن الحق في آيات الله، وتكذيبها، والطعن على ما فيها من أدلة وبراهين، في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا}(فصلت: الآية ٣٢) .
قد ورد مصدر هذا الفعل مقترنا بالظلم في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(الحج: الآية ٢٥) .
فلا غرو أن يكون في هذا الفعل الذي جاء في سورة (النحل) ما يوحي- مع أن المراد به الإشارة- بأشنع أنواع الظلم، وأخطر ألوان الميل عن الحق.
- ويزعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الله ينزلهم منه منازل الأبناء من آبائهم، فلا يزيد القرآن الكريم في الرد عليهم عن عبارة واحدة فيها التكذيب المدعم بالدليل القاطع، وفيها الإنكار والتوبيخ في أوجز عبارة، وأقوى مواجهة:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}(المائدة: الآية ١٨) فالدعوى باطلة، والزعم لا أساس له، لأن من يكون بهذه المنزلة من الله تعالى يكون بمنأى عن أمرين عظيمين:
أولهما: لا يعصى الله ما أمره، وهذا ما كان- ولا يزال- من الملائكة المقربين:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم: الآية ٦) .