((ما خلقه الله سبحانه وتعالى فقد أوجده لحكمة في إيجاده، فإذا اقتضت حكمته إعدامه جملة واحدة، أو تغييره وتحويله من صورة إلى صورة، بدله وغيره وحوله، ولم يعدمه جملة، قال: ومن فهم هذا فهم مسألة المعاد، وما جاءت به الرسل فيه، فإن القرآن والسنة، إنما دَلاَّ على تغيير العالم وتحويله وتبديله لا جعله عدما محضا وإعدامه بالكلية، فدل على تبديل الأرض غير الأرض والسموات، وعلى تشقق السماء وانفطارها وتكوير الشمس، وانتشار الكواكب، وسجر البحار، وإنزال المطر على أجزاء بنى آدم المختلطة بالتراب، فينبتون كما ينبت النبات، وترد تلك الأرواح بعينها، إلى تلك الأجساد التي أحيلت، ثم أنشئت نشأة أخرى ... فهذا هو الذي أخبر به القرآن والسنة، ولا سبيل لأحد من الملاحدة الفلاسفة وغيرهم إلى الاعتراض على هذا المعاد الذي جاءت به الرسل بحرف واحد.
وإنما اعتراضاتهم على المعاد الذي عليه طائفة من المتكلمين أن الرسل جاؤوا به، وهو أن الله يعدم أجزاء العالم العلوي والسفلي كلها فيجعلها عدما محقا، ثم يعيد ذلك العدم وجودا، ويا ليت شعري أين في القرآن والسنة أن الله يعدم ذرات العالم وأجزاءه جملة ثم يقلب ذلك العدم وجودا.
وهذا هو المعاد الذي أنكره الفلاسفة، ورمته بأنواع الاعتراضات، وضروب الالزمات، واحتاج المتكلمون إلى تعسف الجواب وتقريره بأنواع المكابرات، وأما المعاد الذي أخبرت به الرسل، فبريء من ذلك كله، مصون عنه لا مطمع لعقل في الاعتراض عليه، لا يقدح فيه شبهة واحدة وقد أخبر سبحانه أنه يحيي العظام بعد ما صارت رميماً، وأنه قد علم ما تنقص الأرض من لحوم بنى آدم وعظامهم، فيرد ذلك إليهم عند النشأة الثانية، وأنه ينشئ تلك الأجساد بعينها بعدما بليت نشأة أخرى، ويرد إليها تلك الأرواح ... الخ [٢٨] .