وبالنسبة للمناقشة الثالثة: فإن اختيار مقدار الأربعة برد لتقاس بها مسيرة اليوم والليلة، إنما روعي فيه العادة بالنسبة للدابة الوسط وقد كانت ركوبة أكثر الناس. فالقياس عليها أولى من القياس على الدابة السريعة أو البطيئة. والله أعلم.
الرابع: ما نقل عن الشافعي، ومالك، وأصحابهما، وأحمد، وإسحاق، والليث، كما نقل عن الأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم، من أن الرخصة في الفطر أو القصر لا تتحقق إلا في مسيرة مرحلتين قاصدتين [٤٣] ، وحددت مسافتهما بثمانية وأربعَّين ميلاً هاشمية [٤٤] .
وقد حمل بعض العلماء ما نقل عن مالك هنا بأنه قول آخر له، إلا أن بعض علماء المالكية قد جمع بين قوليه، بأن مسيرة اليوم والليلة إذا كانت الدابة سريعة مع الجد في السير وكان الوقت صيفا، وأما مسيرة اليومين والليلتين، فهو إذا ما كانت ثقيلة بطيئة ولم يكن هناك جد في السير؛ ويؤيد هذا الجمع بأن مالكا لم يختلف تقديره للمسافة في القولين، إذ حددها في كليهما بثمانية وأربعين ميلا [٤٥] .
وقد استدل لهذا الرأي بحديث أبي سعيد:"لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها"[٤٦] ، وقد قدرت مسيرة هذا الزمن بثمانية وأربعين ميلا. وبذلك يلتقي هذا الرأي مع الرأي السابق في تقدير المسافة التي يباح الفطر فيها للمسافر، إذا عزم على بلوغ نهايتها أو تجاوزها، بالرغم من الاختلاف في مقدار الزمن، إلا أنه يمكن الجمع بين اختلاف المقدار في الزمن بين هذا الرأي والرأي السابق بما جمع به بعض علماء المالكية بين قولي مالك في المسألة. وقد أشرنا إلى ذلك قريبا.
ويناقش مستند هذا الفريق بعدد من المناقشات، من أهمها ما يلي: