١- إن الذي شرع الحدود، وحدد العقوبات هو عالم الغيب والشهادة، الخبير بمسالك النفوس ودروبها، العليم بما يصلحها ويقومها {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(سورة الملك ١٤) ، إذا كان الأمر كذلك فتشريع الله لعباده أمرا أو نهيا، حكماً أوْحَدّاً بعيدٌ عن كل معاني النقص والقصور. والمبالغة والهوى، وغير ذلك من صفات الجهل والعجز التي يتصف بها البشر وتتسم بها مناهجهم، وإذا كانت الحدود من تشريع الله، فإن الله أرأف بعباده وأرحم مما يظن القاصرون، وهو أخبر بما يصلح حياتهم ويهذب طباعهم، فليس لمتشدق أن يتحدث عن قسوة الحدود، وشدة العقوبات، لأنه ليس أبصر بمصلحة الخلق. وأرحم بهم من خالقهم، ومن يظن غير ذلك فقد خرج من الإيمان.
٢- المتأمل في تشريع الحدود يجد أن علاج النفس الإنسانية بها يتسم بالحكمة والرحمة معا: أما الحكمة فتتجلى في أن لكل جرم حدا معينا، ولكل مخالفة عقوبة خاصة دون غلو أو زيادة. ودون مبالغة أو إفراط، بحيث تلحظ أن الشارع قد سار في هذه الأمور كما سار في غيرها- على أدق المقاييس، وأعدلها، فالذي يريد أن يستمتع بنشوة اللذة عليه أن يتوقع أنه سيذوق من الألم أشده.. والذي يريد الثراء من كسب غيره يعامل بنقيض مقصوده، وتقطع منه أداة كسبه.. والذي يريد أن يحقر غيره بالقذف سيجد التحقير من الجماعة كلها، فتسقط شهادته، ويمشي بينهم لا يوثق له بكلام.